vendredi 21 janvier 2011

كتبوا في نزار...نحو الوطن

حدثت منذ سنة 1967 انعطافة جذرية في شعر نزار, وتحول من شاعر المشاعر النسائية والجسد الأنثوي الى شاعر سياسي, فقال في نكسة يونيو(حزيران)1967, قصيدة ذائعة الصيت "هوامش على دفتر النكسة", لكن الشاعر الكبير صالح جودت, شن عليه هجوما بالغ العنف. لم يقتصر على الوقوف ضد قصيدة نزار, بل طالب بمنع بث أعماله في مصر. ويقال ان سبب تلك الحملة هو نجاح نزار المتميز في مصر, في مجال الغناء بعد طهور أغانيه المشهورة مثل "أيظن" و"ماذا أقول له
    ونجحت الحملة وصدر قرار بمنع أغاني نزار وأشعاره من خلال التلفزيون المصري, بل ومنع اسمه نهائيا, وصدر في الكتمان قرار بمنعه من دخول مصر. وكانت تلك القرارت بالنسبة اليه أشبه باصدار حكم الاعدام
    لكن نزار بادر وأرسل الى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رسالة, هذا جزء منها:
    " سيادة الرئيس, في هذه الأيام التي أصبحت أعصابنا فيها رمادا وطوقتنا الأحزان من كل مكان, يكتب اليك شاعر عربي, يتعرض اليوم من قبل السلطات الرسمية في الجمهورية العربية المتحدة لنوع من الظلم لا مثيل له في تاريخ الظلم. وتفاصيل القصة انني نشرت في أعقاب النكسة قصيدة عنوانها "هوامش على دفتر النكسة", أودعتها خلاصة ألمي وتمزقي, وكشف فيها عن مناطق الوجع في جسد أمتي العربية, لاقتناعي بأن ما انتهينا اليه لا يعالج بالتواري والهروب, وانما بالمواجهة الكاملة لعيوبنا وسيئاتنا. واذا كانت صرختي حادة وجارحة, وأنا أعترف سلفا بأنها كذلك, فلأن الصرخة تكون في حجم الطعنة, ولأن النزيف بمساحة الجرح. ومن منا ياسيادة الرئيس لم يصرخ بعد 5 حزيران؟ من منا لم يخدش السماء بأظافره؟من منا لم يكره نفسه وثيابه وظله على الأرض؟ ان قصيدتي كانت محاولة لتقييم أنفسنا كما نحن..
    وختم رسالته بقوله: "ياسيادة الرئيس, لا أريد أن أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزيفه, والمجروح على جراحه ويسمح باضطهاد شاعر عربي يريد أن يكون شريفا وشجاعا, في ظل مواجهة نفسه وأمته, فدفع ثمن صدقه وشجاعته
    ياسادة الرئيس, لا أصدق أن يحدث هذا في عصرك!
    وكان تاريخ الرسالة 30 تشرين الأول(اكتوبر)سنة 1967, ونجحت هذه الرسالة في انقاذ نزار قباني من "الاعلام" بعد أن أوصلها الكاتب أحمد بهاء الدين الى الرئيس عبد الناصر. وعادت اغانيه تردد في الاذاعة والتلفزيون, وعن هذا يقول نزار:" كسرت الحاجز بين السلطة والأدب
    وهكذا طاف نزار بأشرعة الشعر بحار الحب وعوالم الحرية, وخاض بقلمه غمار السياسة, يدافع ن عروبته, واضعا أمته أمام نفسها بلا تزييف أو تضليل, لا لأنه يكرههم فيتنقص منهم ويقلل من قدرهم, بل أنه يحب العروبة والعرب ولا يريد لهم الانغماس في بحر عدو لدود شمر عن ذراعيه وجمع عتاده وسلاحه وتربص به ريب المنون
    ولم يبعد نزار عن قضايا وطنه, حتى عندما استقر به المقام بعيدا في مدينة الضباب, لندن, حيث كان قلبه في اتجاه عروبته دائما.
    وقبل الرحيل بعشر سنوات, عاود نزار الحنين الى المنزل الذي ولد فيه, والى شجرة الياسمين التي علمته حب الجمال. وشد الرحال الى دمشق, حيث زار المنزل العائلي, الذي نشأ فيه, وكأنه أراد أن يودع ملاعب الطفولة
    وأن للغريب أن يعود الى حضن الأرض التي أنجبته. بعد أن أسلم نزار الروح في 30 ابريل عام 1998, عاد الى دمشق جثمانا محمولا بالطائرة, الى رحم التي علمته الشعر والابداع وأهدته أبجدية الياسمين. فقد أوصى نزار قائلا:" أدفن في دمشق, الرحم التي عملتني الشعر والابداع, وأهدتني أبجدية الياسمين


نزار قباني..لمحة تقديمية

نزار قباني دبلوماسي و شاعر عربي. ولد في دمشق (سوريا) عام 1923 من عائلة دمشقية عريقة هي أسرة قباني ، حصل على البكالوريا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق ، ثم التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرّج فيها عام 1945 .
يقول نزار قباني عن نشأته "ولدت في دمشق في آذار (مارس) 1923 في بيت وسيع، كثير الماء والزهر، من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني، تاجر وجيه في حيه، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها. تميز أبي بحساسية نادرة وبحبه للشعر ولكل ما هو جميل. ورث الحس الفني المرهف بدوره عن عمه أبي خليل القباني الشاعر والمؤلف والملحن والممثل وباذر أول بذرة في نهضة المسرح المصري. امتازت طفولتي بحب عجيب للاكتشاف وتفكيك الأشياء وردها إلى أجزائها ومطاردة الأشكال النادرة وتحطيم الجميل من الألعاب بحثا عن المجهول الأجمل. عنيت في بداية حياتي بالرسم. فمن الخامسة إلى الثانية عشرة من عمري كنت أعيش في بحر من الألوان. أرسم على الأرض وعلى الجدران وألطخ كل ما تقع عليه يدي بحثا عن أشكال جديدة. ثم انتقلت بعدها إلى الموسيقى ولكن مشاكل الدراسة الثانوية أبعدتني عن هذه الهواية".
التحق بعد تخرجة بالعمل الدبلوماسي ، وتنقل خلاله بين القاهرة ، وأنقرة ، ولندن ، ومدريد ، وبكين ، ولندن. وفي ربيع 1966 ، ترك نزار العمل الدبلوماسي وأسس في بيروت دارا للنشر تحمل اسمه ، وتفرغ للشعر. وكانت ثمرة مسيرته الشعرية إحدى وأربعين مجموعة شعرية ونثرية، كانت أولها " قالت لي السمراء " 1944 ..
بدأ أولاً بكتابة الشعر التقليدي ثم انتقل إلى الشعر العمودي، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير. يعتبر نزار مؤسس مدرسة شعريه و فكرية، تناولت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. وكان ديوان "قصائد من نزار قباني" الصادر عام 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة "خبز وحشيش وقمر" التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي. واثارت ضده عاصفة شديدة حتى أن طالب رجال الدين في سوريا بطرده من الخارجية وفصله من العمل الدبلوماسي. تميز قباني أيضاً بنقده السياسي القوي، من أشهر قصائده السياسية "هوامش على دفتر النكسة" 1967 التي تناولت هزيمة العرب على أيدي إسرائيل في نكسة حزيران. من أهم أعماله "حبيبتي" (1961)، "الرسم بالكلمات" (1966) و"قصائد حب عربية" (1993).
كان لانتحار شقيقته التي أجبرت على الزواج من رجل لم تحبه، أثر كبير في حياته, قرر بعدها محاربة كل الاشياء التي تسببت في موتها. عندما سؤل نزار قبانى اذا كان يعتبر نفسة ثائراً, أجاب الشاعر :" ان الحب في العالم العربي سجين و أنا اريد تحريرة، اريد تحرير الحس و الجسد العربي بشعري، أن العلاقة بين الرجل و المرأة في مجتمعنا غير سليمة".
تزوّج نزار قباني مرتين، الأولى من ابنة عمه "زهراء آقبيق" وأنجب منها هدباء و وتوفيق . و الثانية عراقية هي "بلقيس الراوي" و أنجب منها عُمر و زينب . توفي ابنه توفيق و هو في السابعة عشرة من عمرة مصاباً بمرض القلب و كانت وفاتة صدمة كبيرة لنزار، و قد رثاة في قصيدة إلى الأمير الدمشقي توفيق قباني. وفي عام 1982 قُتلت بلقيس الراوي في انفجار السفارة العراقية ببيروت، وترك رحيلها أثراً نفسياً سيئاً عند نزار ورثاها بقصيدة شهيرة تحمل اسمها بلقيس ..
بعد مقتل بلقيس ترك نزار بيروت وتنقل في باريس وجنيف حتى استقر به المقام في لندن التي قضى بها الأعوام الخمسة عشر الأخيرة من حياته . ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره ويثير المعارك والجدل ..خاصة قصائده السياسة خلال فترة التسعينات مثل : متى يعلنون وفاة العرب؟؟ ، و المهرولون .
وافته المنية في لندن يوم 30/4/1998 عن عمر يناهز 75 عاما قضى منها اكثر من 50 عاماً في الحب و السياسة و الثوره .
كل الأساطير ماتت ….
بموتك … وانتحرت شهرزاد

الحب والبترول ...!

بأني لن أكون هنا.. رماداً في سجاراتك

ورأساً بين آلاف الرؤوس على مخداتك

وتمثالاً تزيد عليه في حمى مزاداتك

ونهداً فوق مرمره.. تسجل شكل بصماتك

متى تفهم ؟

متى تفهم ؟

بأنك لن تخدرني.. بجاهك أو إماراتك

ولن تتملك الدنيا.. بنفطك وامتيازاتك

وبالبترول يعبق من عباءاتك

وبالعربات تطرحها على قدمي عشيقاتك

بلا عددٍ.. فأين ظهور ناقاتك

وأين الوشم فوق يديك.. أين ثقوب خيماتك

أيا متشقق القدمين.. يا عبد انفعالاتك

ويا من صارت الزوجات بعضاً من هواياتك

تكدسهن بالعشرات فوق فراش لذاتك

تحنطهن كالحشرات في جدران صالاتك

متى تفهم ؟

متى يا أيها المتخم ؟

متى تفهم ؟

بأني لست من تهتم

بنارك أو بجناتك

وأن كرامتي أكرم..

من الذهب المكدس بين راحاتك

وأن مناخ أفكاري غريبٌ عن مناخاتك

أيا من فرخ الإقطاع في ذرات ذراتك

ويا من تخجل الصحراء حتى من مناداتك

متى تفهم ؟

تمرغ يا أمير النفط.. فوق وحول لذاتك

كممسحةٍ.. تمرغ في ضلالاتك

لك البترول.. فاعصره على قدمي خليلاتك

كهوف الليل في باريس.. قد قتلت مروءاتك

على أقدام مومسةٍ هناك.. دفنت ثاراتك

فبعت القدس.. بعت الله.. بعت رماد أمواتك

كأن حراب إسرائيل لم تجهض شقيقاتك

ولم تهدم منازلنا.. ولم تحرق مصاحفنا

ولا راياتها ارتفعت على أشلاء راياتك

كأن جميع من صلبوا..

على الأشجار.. في يافا.. وفي حيفا..

وبئر السبع.. ليسوا من سلالاتك

تغوص القدس في دمها..

وأنت صريع شهواتك

تنام.. كأنما المأساة ليست بعض مأساتك

متى تفهم ؟

متى يستيقظ الإنسان في ذاتك ؟

lundi 10 janvier 2011

قراءة في شعر نزار قباني

بيروت الحبيبة:

يثني الشاعر ثناء خاصاً على بيروت سواء في حواراته أم في شعره، ففي أحد حواراته يقول عن بيروت (56): إنه (الشاعر) كان في كل الأمكنة، ولم يكن في أي مكان وأن كل مدن العالم بالنسبة إليه كانت صالات ترانزيت وفنادق صالحة للمبيت ليلة واحدة أو ليلتين على الأكثر، ولكنه بعد بيروت لم يستطع أن ينام في أي مكان، ولا أن يكتب في أي مكان، فكل العالم بالنسبة إليه فندق من الدرجة الثانية وبيروت هي البيت، وأن كل العالم بلا جدران وبيروت هي السقف، وكل العالم صحراء وبيروت هي الماء وكل الجغرافيات تفرعات وهوامش  وبيروت هي الأصل، وأنه من خلال تعامله الشعري مع عشرات المدن اكتشف أن بيروت نسخة لا تتكرر في تاريخ الشعر، وأن الشاعر  الذي لا يتخرج من بيروت أو لا يتشكل في بيروت أو لا يعتمد في بيروت أو لا تنشر أشعاره فيها يبقى شاعراً غير مكرس، ولا يصل إلى مرتبة النجومية وإنما يبقى في قائمة شعراء الكوميديا. إذ إن هناك قائمة طويلة من الشعراء أطلقتهم بيروت كالنيازك في سماء الوطن العربي مثل (السياب ونازك الملائكة، والبياتي ومحمود درويش وغيرهم)..
والسؤال هنا لماذا خص بيروت بعد دمشق دون سواها من المدن الأخرى بهذا الثناء وهذا الحب؟ ويجيبنا نزار (57)، إن المدن نساء، وأنه لو اجتمع كل خبراء العشق وكل خبراء الشعر على مائدة مستديرة لما استطاعوا أن يعرفوا لماذا تقدر امرأة أن تفجر بنا الكرة الأرضية وتضرم النار في تاريخنا وجهازنا العصبي في حين لا تستطيع امرأة ثانية أن تضرم عود كبريت. وبيروت ذكية جداً وشاطرة جداً وذات خبرة عالية في استدراج الشعراء إلى حبها والاحتفاظ بهم، وحين تحاول أن تقترب منها تقول لك: "بعدين، بعدين، أكمل قصيدتك الآن وعندما تفرغ من كتابة قصيدتك سأحبك". وعندما تتركها خمس دقائق وتذهب لتجلس مع القصيدة، تقول لك: "ولو يا أستاذ، هل هناك رجل يدير ظهره لامرأة جميلة، ويغازل ورقة؟ ألا تعرف أن هذا وقت الحب لا وقت الشعر؟
وعلى الرغم من محاولة نزار تلخيص الأسباب التي جعلته يخص بيروت بعد دمشق بهذا الحب متمثلة في كونها ذكية جداً، وشاطرة جداً، وذات خبرة عالية في استدراج الشعراء إلى حبها والاحتفاظ بهم،  إلا أنه سرعان ما يؤكد جهله بالأسباب الحقيقية التي جعلته يهيم بعشقها إلى هذا الحد، وأنه لا يدري ماذا فعلت  به هذه المدينة، ولا ماذا وضعت في فنجان قهوته، ولا أي مادة كيماوية حقنته بها فغيرت فصيلة دمه، ولا يدري كيف دخلها على هيئة إنسان وخرج منها على هيئة كتاب، ولا يدري كيف دخلها عازباً وخرج منها يجر آلاف القصائد.
بيروت، إذن، عشيقة الشاعر التي لا تضاهيها عشيقة أخرى، عشيقة متميزة، متفردة، لا يمكن أن تتكرر، لم يعثر عليها قبل أن يلتقي بها، ولن يعثر عليها مستقبلاً لأنَّه جرب كل نساء (مدن) العالم، ولم يفعل ذلك إلا لأنّه كان يبحث عنها، وقد ذكرها الشاعر في قصائد غزلية كثيرة وخصها بقصائد كاملة كانت بمثابة رسائل حب وهي: بريد بيروت(58)، يا ست الدنيا يا بيروت، سبع رسائل ضائعة في بريد بيروت، بيروت محظيتكم، بيروت حبيبتي، إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار، بيروت تحترق وأحبك(59)، أربع رسائل ساذجة إلى بيروت، ومحاولة تشكيلية لرسم بيروت(60)، وقد أكثر الحديث  عن بيروت في قصائد غزلية حيث تندمج المدينة مع المرأة في أغلب الأحيان،  من ذلك هذا المقطع من "قصيدة الحزن":
علمني حبك كيف الليل يضخم أحزان الغرباء
علمني كيف أرى بيروت
امرأة طاغية الإغراء
امرأة تلبس كل مساء
أجمل ما تملك من أزياء
وترش العطر على نهديها للبحارة والأمراء
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمين
في طرق (الروشة) و(الحمراء)(61)
ويتكرر الموقف نفسه في قصيدة "مع بيروتية" حين تغوص بيروت في عيني تلك الجالسة معه في مطعم كلؤلؤة حتى تغيب تماماً رملاً وسماءً وبيوتاً.. وحين يبحث الشاعر عن بيروت يجدها ماثلة أمامه امرأة فاتنة:
بيروت. أفتش عن بيروت
على أهدابك والشفتين..
فأراها.. طيراً بحريا
أراها.. عقداً ماسيا
أراها.. امرأة فاتنة(62)
ولأن بيروت في قصيدة "بيروت والحب والمطر في ديوانه أشعار خارجة على القانون ليست كباقي المدن فإن أمطارها أمطار خاصة، فحين تمطر في بيروت تستيقظ فيه الحاجة إلى الحنان. وليس للعاشقين حاجة للبحث عن المكان المناسب لأن الحب في بيروت موجود في كل مكان.
وقد سئل مرة عن هذه المدينة فكان جوابه: إنه على الرغم من كل ما كتبه عن بيروت، يشعر أنه ما زال مقصراً معها وأن، علاقته ببيروت علاقة عشق كبير،. وأنه على الرغم مما يقال عنه، بأنه يجمع المدن كما يجمع النساء فإنه شاعر أحادي أحب مدينة واحدة.. وامرأة واحدة. وأن بيروت بالنسبة إليه هي الجغرافيا كلها. جغرافية الشعر وجغرافية الأرض وأنه حين يغادرها إلى مدن أخرى سرعان ما يرحل من هذه المدن كلها ليعود إلى حبيبته بيروت، فيجدها تلبس الكيمونو الحريري الوردي وتنتظره على العشاء. وهو سرعان ما يغادر "الشانزيليزي" ليعود إلى (زاوية بيته في حي مار الياس). وسرعان ما يترك "الكونكورد"  ليعود إلى (رياض الصلح). ويترك "برج إيفل" ليعود إلى (برج أبي حيدر). ثم يتساءل هل هذا معقول؟.. هل هذا منطقي؟ ويجيب طبعاً عندما يكون المرء عاشقاً حتى نخاعه الشوكي يصبح اللامعقول، واللامنطقي منطقياً.
وأنَّه لا يقيس المدن بطولها وعرضها وفخامة فنادقها ومطاراتها. وإنما يقيسها بقدرتها على تحريضه شعرياً.
ولأن بيروت تبلله بأمطار الشعر، وتشعل به شهوة الكتابة، فهي عنده أعظم من نيويورك وأهم من طوكيو.
وأنه لا يتذكر أن بيروت ضايقته في يوم من الأيام. ولا يتذكر أنها أغضبته. أو أنها استجوبته كما يفعل أكثر النساء.
وأنها لم تتلصص عليه يوماً من ثقب الباب، ولم تفتش جيوبه وأوراقه، ولم تطبق عليه الأساليب المخابراتية. كانت تضع ركوة القهوة وتقول له عندما تحتاج إلي فنادني.
وأن معجزة بيروت هي، أنها مدينة ترفض موتها، ففي ذروة اشتعال الحرب الأهلية، كانت بيروت تطبع خمسين كتاباً جديداً كل يوم، في حين لا تستطيع باريس أو لندن أو نيويورك في زمن السلام أن تدخل هذه المغامرة الثقافية الكبرى.
ومن ثم فإنه لا في لندن يستطيع أن يكون (شكسبير) ولا في باريس يستطيع أن يكون (بول فاليري). أو (شارل بودلير)، أما في بيروت فيستطيع أن يبقى نزار قباني(63).
فلماذا هذا الحنين الجارف إليها؟ فإلى جانب كونها مدينة ثقافية حقق ذاته من خلالها فهي أيضاً تمثيل رمزي تتماهى مع المرأة المحبوبة: "كلما رأتني بيروت من نافذة البيت عائداً ضحكت ضحكة ساخرة. وقالت: أنتم الرجال عقلكم صغير. تقيمون الدنيا وتقعدونها على رأس امرأة تعشقونها. ثم تعودون إلى صدرها نادمين. مستغفرين.(.) كنت أعود إلى بيروت لأن قطع علاقتي معها يعني قطع جميع شراييني فعندما تصبح امرأة أو مدينة جزء من دورتنا الدموية، ومن قهوتنا الصباحية وجزء من حركة الدقائق والثواني، فإن هجر هذه المدينة ـ المرأة يساوي هجر الحياة ويعادل الانتحار.
إن بيروت أعطتني جرعة من الحرية عجزت أي مدينة أخرى أن تعطيني إياها. لذلك أجد صعوبة كبرى في التفاهم مع المدن الأخرى. إن إمكانية الكتابة عندي صارت مرتبطة ببيروت، وعندما أتركها أنسى القراءة والكتابة() إن (برج أبي حيدر)، و(برج البراجنة) و(برج المر) في بيروت تحرضني على الكتابة أكثر مما يحرضني (برج إيفل) في العاصمة الفرنسية الجميلة"(64)
وعلى الرغم من أن مدناً كثيرة أعطته أشعاراً غزيرة إلا أنه يحس وكأن بيروت هي المدينة الوحيدة التي تستطيع أن توقظ فيه شهوة الكتابة فلا شعر بغير  بيروت ولا كتاب شعر يمكن أن يصدر من غير بيروت وأن الشعر جزء من صادراتها كما التفاح والكرز والبرتقال. وأنه لا يعتقد أن بلداً في العالم يباهي بأن الشعر هو ثروته القومية إلا لبنان.
أما بالنسبة للعشق الذي يربطه ببيروت فهو عشق يدخل في باب الخرافات، وهو عشق أكبر من أن يقال بكل اللغات التي يعرفها لأن الكلمات في الحب تقتل الحب، ولأن الحروف تموت حين تقال شأنها شأن الحب الذي لا يعرف وهذا العشق الذي يربطه بهذه المدينة كالعشق الذي يربطه بالمرأة تماماً. وهي بمثابة الحب الأول في حياته، وأن الانفصال عنها يشبه انفصال الطفل عن ثدي أمه وعن حليبها الطبيعي: "مشكلتنا أن بيروت كانت حبنا الأول. وعندما رحلنا عن بيروت لم نجد بين نساء العالم امرأة واحدة تستحق أن تكون وصيفة أو خادمة بيروت(65).
هذا هو المأزق الخطير الذي وقعنا فيه جميعاً. مأزق الطفل الذي فصلوه عن ثدي أمه وعن حليبها الطبيعي.
لا بديل لبيروت سوى بيروت. كما لا بديل لامرأة نحبها سوى هي. إنني لا أتعاطى البدائل في المدن والنساء، ولا أومن باستعمال مدينتي المفضلة، أو حبيبتي المفضلة كدولاب احتياط"(66).
لماذا، إذن، بيروت دون سواها من المدن؟..
إنه كلما تحدث عن بيروت ذكر الحرية فهي عنده حادثة حرية لا تتكرر كل مليون سنة مرة. إنها كقصص الحب الكبيرة لا تعيد نفسها. حتى صارت كل المدن في العالم تأخذ صفراً في امتحان الحرية إذا قيست ببيروت.
ويؤكد أن المدن نساء، أو هن: "كالنساء كل واحدة لها شخصيتها، ورائحتها، ومذاقها"(67). وأن طبائع المدن وطبائع النساء تتشابه كثيراً. فثمة مدن مكشوفة تعطيك نفسها منذ اللحظة الأولى. وثمة مدن غامضة لا تكشف أسرارها لعشاقها إلا بالتقسيط(68). ومن ثم تأخذ المدينة قيمتها، ـ شأنها شأن المرأة تماماً ـ انطلاقاً من كمية المادة الشعرية التي تقدمها للشاعر: "وأنا أقيم المدن بكمية المادة الشعرية التي تقدمها لي"(69). ويؤكد أن المدينة التي تحرضه على كتابة الشعر يعود إليها دائماً ويسأل عنها وتسأل عنه(70). وأن بيروت تبلله بأمطار الشعر وأعطته زوادة من التجارب الشعرية يأكل منها كلما داهمه الجوع والعطش ومن ثم فهو لا يقارن بيروت بأي مدينة أخرى فهي في كفه، وكل نساء العالم في الكفة الثانية(71).
ويؤكد في موضع آخر أن بيروت علمته القراءة والكتابة. وبعدها دخل مرحلة الأمية. وهي شهادته النهائية في هذه المدينة العظيمة(71)، ليخلص إلى تأكيد هاجسية هذه المدينة المرأة بخيال طفل لا بخيال راشد: "بيروت تلاحقني في صحوي وفي نومي. ودمها يغطي ثيابي وأوراقي وشراشف سريري. وكل يوم أطلب رقم بيتي في بيروت أعرف أنه لن يجاوبني أحد.(.). قد تكون هذه التصرفات صبيانية. ولا تليق برجل محترم مثلي. ولكنني أعترف لكم أنني مجنون بعشق بيروت".(73).
لقد خص الشاعر بيروت بديوان كامل تحت عنوان: "إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار" وفيه القصائد التالية:
1 ـ يا ست الدنيا يا بيروت.
2 ـ سبع رسائل ضائعة في بريد بيروت.
3 ـ بيروت محظيتكم بيروت حبيبتي.
4 ـ إلى بيروت الأنثى... مع الاعتذار.
5 ـ بيروت تحترق.. وأحبك.
فما هي صورة بيروت التي نستشفها من خلال هذه القصائد؟
يرسم الشاعر بيروت في قصيدة : "يا ست الدنيا يا بيروت" بمجموعة من الصور تدخل كلها في مايمكن أن نسميه الـ: قبل: (الماضي)، فهي ست الدنيا ذات الأساور المشغولة بالياقوت، والخاتم السحري، والضفائر الذهبية والعينين الخضراوين  اللتين ينام فيهما الفرح، والشفتين الرائعتين. وهي سنبلة ومروحة الصيف ووردته الجورية، ولؤلؤة الشاعر، وأقلامه وأحلام أوراقه الشعرية، وخلاصات الأعمار والعصفور الدوري، وحقل اللؤلؤ، وميناء عشق، وطاووس ماء، وعشتار ونواره، وسلطانة والقنديل الذي يشتعل في القلب. وزنبقة البلدان وجوهرة الليل. وهي مكان الوعد الأول والحب الأول، ومكان كتابة الشعر، ومخبأ الشعر بأكياس المخمل.
وعلى الرغم من هذه الصفات التي تبدو عادية إلا أن بيروت عنده ليس قبلها ولا بعدها ولا مثلها شيء. لكن تحولاً ما حدث، فصارت قاسية وقطة وحشية، وعيناها تأويان خلاصة حزن البشرية، ونهداها محترقان. وهنا تغيب الصورة الأولى لتحل محلها صورة تدل على التدني والسقوط والقتامة. فكان لابد من دعوتها للقيام:
قومي كقصيدة ورد
قومي من تحت الأمواج
قومي كقصيدة نار
قومي من تحت الرد
قومي من حزنك (74)..
فلماذا الرغبة في القيام؟:
من أجل الحب والشعراء
من أجل الخبز والفقراء
إكراماً للغابات، للوديان للإنسان
كي نبقى نحن، ويبقى العالم، ويبقى الحب(75)
ويظهر الراغبون في قيامها:
الشعراء، الرب، الحب(76)....

: قصيدة بلقيس

شُكراً لكم ..
شُكراً لكم . .
فحبيبتي قُتِلَت .. وصار بوُسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدهْ
وقصيدتي اغْتِيلتْ ..
وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ ..
- إلا نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟

بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقُها طواويسٌ ..
وتتبعُها أيائِلْ ..
بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ
هل يا تُرى ..
من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟
يا نَيْنَوَى الخضراءَ ..
يا غجريَّتي الشقراءَ ..
يا أمواجَ دجلةَ . .
تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا
أحلى الخلاخِلْ ..
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟
أين السَّمَوْأَلُ ؟
والمُهَلْهَلُ ؟
والغطاريفُ الأوائِلْ ؟
فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..
وثعالبٌ قَتَـلَتْ ثعالبْ ..
وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ ..
قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما ..
تأوي ملايينُ الكواكبْ ..
سأقُولُ ، يا قَمَرِي ، عن العَرَبِ العجائبْ
فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟
أم مثلنا التاريخُ كاذبْ ؟.

بلقيسُ
لا تتغيَّبِي عنّي
فإنَّ الشمسَ بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحِلْ . .
سأقول في التحقيق :
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق :
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..
وأقولُ :
إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ
هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..
ما بين الحدائقِ والمزابلْ
بلقيسُ ..
أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..
والمُطَهَّرَةُ النقيَّةْ ..
سَبَـأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا
فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّةْ ..
يا أعظمَ المَلِكَاتِ ..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ
بلقيسُ ..


===================
إسم الكتاب : قصيدة بلقيس
المؤلف : نزار قباني
الطبعة الأولى : 1982م .
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
المصدر : المجلد الرابع من الأعمال الشعرية الكاملة لنزار قباني ( " قصيدة بلقيس " الكتاب الثامن عشر )- منشورات نزار قباني – بيروت – لبنان 1997 .

dimanche 9 janvier 2011

صورة خصوصية جداً

١
الرآبة الملساءُ
.. والشفة الغليظة ..
والسراويلُ الطويلة والقصيرهْ
إني تعبتُ من التفاصيل الصغيرهْ
..
ومن الخطوط المستقيمةِ
.. والخطوط المستديرهْ ...
وتعبتُ من هذا النفير العسكريِّ
إلى مُطارحة الغرامْ
النهدُ
.. مثلُ القائد العربيّ يأمرني :
تقدمْ للأمامْ
..
والفلفلُ الهنديّ في الشفتين يهتفُ بي
:
تقدمْ للأمامْ
..
والأحمرُ العنبيُّ فوق أصابع القدمين
تقدمْ للأمامْ
.. يصرخُ بي..
إني رفعتُ الراية البيضاءَ ، سيدتي ، بلا قيدٍ ولا شرطٍ
ومفتاحُ المدينة تحت أمركِ
..
فادخليها في سلامْ
..
جسدي المدينة
..
فادخلي من أيّ بابٍ شئتِ أيتها الأميرهْ
..
وتصرفي بجميع ما فيها
.. ومن فيها ...
وخليني أنامْ
..
٢
الرآبة البيضاءُ
آيف أميزُ الألوانَ ؟
إن زجاجة الفودآا تحيلُ ثقافتي صفراً
.. والحمراءُ .. والخضراءُ..
وترجعني إلى جهل العشيرهْ
..
وتضخم الإحساسَ بالأشياءِ
..ترميني عليكِ آأنكِ الأنثى الأخيرهْ ..
..
أريدك أنثى
..
ولا أدّعي العلمَ في آيمياء النساءْ
ومن أين يأتي رحيقُ الأنوثة
وآيف تصيرُ الظباءُ ظباءْ
وآيفَ العصافيرُ تتقنُ فنَّ الغناءْ
أريدك أنثى
..
وأعرفُ أنَّ الخيارات ليست آثيرهْ
فقد أستطيع اآتشافَ جزيرهْ
وقد أستطيع العثورَ على لؤلؤهْ
ولكنَّ من ثامن المعجزاتِ ، اختراعَ امرأهْ
..
٢
أريدكِ أنثى
..
وأجهلُ آيف يُرآّبُ هذا العقارُ الخطيرْ
وأجهلُ آيف الفراشة تكتبُ شعراً
..
وآيفَ الأناملُ تقطرُ شهداً
وأجهلُ أيَّ بلادٍ يبيعون فيها الحريرْ
أريدكِ أنثى
..
بخطكِ هذا الصغير
.. الصغيرْ ..
ونهدكِ هذا المليء
.. المضيء .. الجريء ..
العزيز
.. القديرْ ..
٣
أريدكِ أنثى
..
ولا أتدخل بين النبيذِ وبين الذهبْ
..
وبين الكريستال
ولستُ أفرقُ بين بياض يديكِ
وبين مداساتِ هذا البيانْ
.. والأقحوانْ..
ويكفي حضوركِ آي لا يكونَ المكانْ
ويكفي مجيئكِ آي لا يجيء الزمانْ
وتكفي ابتسامة عينيكِ آي يبدأ المهرجانْ
فوجهك تأشيرتي لدخول بلاد الحنانْ
..

jeudi 6 janvier 2011

"من قصيدة"هكدا اكتب عن النساء.

أريدكِ أ
١
أريدك أنثى
..
ولا أدّعي العلمَ في آيمياء النساءْ
ومن أين يأتي رحيقُ الأنوثة
وآيف تصيرُ الظباءُ ظباءْ
وآيفَ العصافيرُ تتقنُ فنَّ الغناءْ
أريدك أنثى
..
وأعرفُ أنَّ الخيارات ليست آثيرهْ
فقد أستطيع اآتشافَ جزيرهْ
وقد أستطيع العثورَ على لؤلؤهْ
ولكنَّ من ثامن المعجزاتِ ، اختراعَ امرأهْ
..
٢
أريدكِ أنثى
..
وأجهلُ آيف يُرآّبُ هذا العقارُ الخطيرْ
وأجهلُ آيف الفراشة تكتبُ شعراً
..
وآيفَ الأناملُ تقطرُ شهداً
وأجهلُ أيَّ بلادٍ يبيعون فيها الحريرْ
أريدكِ أنثى
..
بخطكِ هذا الصغير
.. الصغيرْ ..
ونهدكِ هذا المليء
.. المضيء .. الجريء ..
العزيز
.. القديرْ ..
٣
أريدكِ أنثى
..
ولا أتدخل بين النبيذِ وبين الذهبْ
..
وبين الكريستال
ولستُ أفرقُ بين بياض يديكِ
وبين مداساتِ هذا البيانْ
.. والأقحوانْ..
ويكفي حضوركِ آي لا يكونَ المكانْ
ويكفي مجيئكِ آي لا يجيء الزمانْ
وتكفي ابتسامة عينيكِ آي يبدأ المهرجانْ
فوجهك تأشيرتي لدخول بلاد الحنانْ
..

100 رسالة حب

أريد أن أآتبَ لكِ آلاماً
لا يشبهه الكلامْ
وأخترع لغةً لكِ وحدكِ
أفصلها على مقاييس جسدك
ومساحة حبي
*
.
أريدُ أن أسافر من أوراق القاموس
وأطلبَ إجازة من فمي
.
فلقد تعبتُ من استدارة فمي
أريد فماً آخر
..
يستطيع أن يتحول متى أرادْ
إلى شجرة آرز
أو علبة آبريت
أريد فماً جديداً
تخرج منه الكلماتْ
آما تخرج الحوريات من زبد البحر
وآما تخرج الصيصان البيضاء
من قبعة الساحر
*
..
خذوا جميعَ الكتب
التي قرأتها في طفولتي
خذوا جميع آراريسي المدرسية
خذوا الطباشيرَ
..
والأقلامَ
..
والألواح السوداءْ
..
وعلموني آلمة جديدة
أعلقها آالحلقْ
في أذن حبيبتي
*
أريدُ أصابعَ أخرى
..
لأآتب بطريقةٍ أخرى
فأنا أآرهُ الأصابع التي لا تطول
آما أآرهُ الأشجار التي لا تموت
أريد أصابعَ جديدة
.. ولا تقصر.. ولا تكبر..
عالية آصواري المراآبْ
وطويلة ، آأعناق الزرافاتْ
حتى أفصل لحبيبتي
قميصاً من الشِعرْ
..
لم تلبسه قبلي
.
أريدُ أن أصنع لكِ أبجدية
غير آل الأبجدياتْ
.
فيها شيء من إيقاع المطرْ
وشيء من غبار القمرْ
وشيء من حزن الغيوم الرمادية
وشيء من توجع أوراق الصفصاف
تحت عربات أيلول
.
أريد أن اهديك آنوزاً من الكلمات
لم تُهْدَ لامرأة قبلك
..
ولن تهدى لامراة بعدك
.
يا امرأةً
..
ليس قبلها قبلْ
وليس بعدها بعدْ
*
أريدُ أن أعلم نهديكِ الكسولينْ
آيف يهجيان اسمي
..
وآيف يقرءان مكاتيبي
أريد
.. أن أجعلك اللغة ..
(
٢ )
نهارَ

mardi 4 janvier 2011

زيديني عشقاً ومن تحت الماء رسالة

من تحت الماء رسالة
إن كنتَ صديقي
َ كي أرحَ َ ل عَنك
.. ساعِدني..
أو ُ كنتَ حبيبي
َ كي ُأشفى منك
لو أنِّي أعرِفُ أنَّ ا ُ لحبَّ خطيرٌ جِدًَّا
ما أحببت
لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِدًا
ما أبحرت
.. ساعِدني..
لو أنِّي أعرفُ خاتمتي
ما كنتُ بَدأت
...
إشتقتُ إليكَ
أن لا أشتاق
علِّمني كيفَ أُقصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق
علِّمني كيف تموتُ الدمعُة في الأحداق
علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق
إن كنتَ قويًَّا
.. فعلِّمني.. أخرجني
قباني ٢ نزار روائع الصفحة
63 موقع اوراق ادبية
من هذا اليَمّ
..
فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم
الموجُ الأزرقُ في عينيك
وأنا ما عندي تجربٌة
في ا ُ لحبِّ
إن كُنتُ أعزُّ عليكَ َفخُذ بيديّ
فأنا عاشَِقٌة من رأسي حتَّى َقدَمَيّ
إني أتنفَّسُ تحتَ الماء
.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق.. ولا عندي زَورَق..
إنّي أغرق
..
أغرق
..
أغرق
..
زيديني عشقاً
زيديني عِشقًا
يا أحلى نوباتِ جُنوني
يا سِفرَ الخَنجَرِ في أنسجتي
يا َ غلغَلَة السِّكِّينِ
.. زيديني..
زيديني غرقًا يا سيِّدتي
إن البحرَ يناديني
زيديني موتًا
..
علَّ الموت، إذا يقتلني، يحييني
..
قباني ٢ نزار روائع الصفحة
64 موقع اوراق ادبية
حُبُّكِ خارطتي
خارطُة العالمِ تعنيني
.. ما عادت..
أنا أقدمُ عاصمةٍ للحبّ
وجُرحي نقشٌ فرعوني
وجعي
من بيروتَ
وجعي قافلٌة
خلفاءُ الشامِ
في القرنِ السَّابعِ للميلاد
وضاعت في فم تَنّين
عصفورَة قلبي، نيساني
يا رَمل البحرِ، ويا غاباتِ الزيتونِ
يا طعمَ الثلج، وطعمَ النار
.. يمتدُّ كبقعةِ زيتٍ.. إلى الصِّينِ.. أرسلها.. إلى الصينِ..
ونكهَة شكي، ويقيني
أشعُرُ بالخوف من اﻟﻤﺠهولِ
أشعرُ بالخوفِ من الظلماء
أشعرُ بالبردِ
إحكي لي قصصًا للأطفال
وظّلي قربي
.. فآويني.. فضُميني.. فغطيني..
غنِّيني
..
فأنا من بدءِ التكوينِ
أبح ُ ث عن وطنٍ لجبيني
..
قباني ٢ نزار روائع الصفحة
65 موقع اوراق ادبية
عن حُبِّ امرأة
..
يكتُبني فوقَ الجدرانِ
عن حبِّ امرأةٍ
لحدودِ الشمسِ
.. ويمحوني.. يأخذني..
نوَّارَة عُمري، مَروحتي
قنديلي، بوحَ بساتيني
مُدّي لي جسرًا من رائحةِ الليمونِ
..
وضعيني مشطًا عاجيًا
في عُتمةِ شعركِ
أنا نُقطُة ماءٍ حائرٌة
بقيت في دفترِ تشرينِ
زيديني عشقًا زيديني
يا أحلى نوباتِ جنوني
من أجلكِ أعتقتُ نسائي
وتركتُ التاريخَ ورائي
وشطبتُ شهادَة ميلادي
وقطعتُ جميعَ شراييني...
.. وانسيني